الجهاد في السنة الشريفة
الجهاد في السنة الشريفة هو الجانب التطبيقي لهذه الفريضة، نظم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر وبينه أحسن بيان :
1ـ روى الإمام مسلم عن أبي هريرة: (تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا جهاد في سبيله وتصديق كلمته بأن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة) .
2ـ وعن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه قال غزوت مع نبي الله صلى الله عليه وسلم غزوة كذا وكذا فضيق الناس المنازل وقطعوا الطريق فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم مناديا نادى في الناس أن (من ضيق منزلا أو قطع طريقا فلا جهاد له) (أورده الإمام أبي داود في سننه)، فالجهاد مبني على النظام وعلى مصلحة المجموع وعلى تحقيق الهدف .
3ـ وعن سعد بن زيد بن سعد الأشهلي أنه أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفاً من نجران فلما قدم عليه أعطاه محمد بن مسلمة وقال: (جاهد بهذا في سبيل الله فإذا اختلفت أعناق الناس فاضرب به الحجر ثم أدخل بيتك وكن حلساً ملقى حتى تقتلك يد خاطئة أو تأتيك منية قاضية). قال الحاكم: فبهذه الأسباب وما جانسها كان اعتزال من اعتزل عن القتال مع علي رضي الله عنه وقتال من قاتله (رواه الحاكم في مستدركه)، وفيه نهي عن قتال المسلمين بعضهم لبعض وشق الصف واختلاف القلوب .
4ـ ومن هذا عن سعيد بن جبير قال : خرج علينا أو إلينا ابن عمر فقال رجل كيف ترى في قتال الفتنة فقال: وهل تدري ما الفتنة؟ كان محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين وكان الدخول عليهم فتنة وليس كقتالكم على الملك. (البخاري).
5ـ وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعد الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو على ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنة الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة، ثم قال: والذي نفسي بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تخرج في سبيل الله أبدا ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة فيتبعوني ولا تطيب أنفسهم فيتخلفون بعدي والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل (أورده ابن ماجه في سننه).
6ـ وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا بعث أميراً على جيش أو سرية أمره في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المؤمنين خيرا، ثم قال: اغزوا باسم الله، فقاتلوا في سبيل الله، وقاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا (أخرجه مسلم في الصحيح).
7ـ ويتضح من هذه الأحاديث أن هدف الحرب في الإسلام يتمثل في الآتي :
(1) رد العدوان والدفاع عن النفس .
(2) تأمين الدعوة إلى الله وإتاحة الفرصة للضعفاء الذين يريدون اعتناقها .
(3) المطالبة بالحقوق السليبة .
(4) نصرة الحق والعدل .
ويتضح لنا أيضا أن من شروط وضوابط الحرب :
(1) النبل والوضوح في الوسيلة والهدف .
(2) لا قتال إلا مع المقاتلين ولا عدوان على المدنيين .
(3) إذا جنحوا للسلم وانتهوا عن القتال فلا عدوان إلا على الظالمين .
(4) المحافظة على الأسرى ومعاملتهم المعاملة الحسنة التي تليق بالإنسان .
(5) المحافظة على البيئة ويدخل في ذلك النهي عن قتل الحيوان لغير مصلحة وتحريق الأشجار، وإفساد الزروع والثمار، والمياه ، وتلويث الآبار، وهدم البيوت .
(6) المحافظة على الحرية الدينية لأصحاب الصوامع والرهبان وعدم التعرض لهم .
8ـ أما عن الآثار المتربتة على الجهاد، فيتضح لنا مما سبق أن الجهاد في الإسلام قد اتسم بنبل الغاية والوسيلة معا فلا غرو أن تكون الآثار والثمار المتولدة عن هذا الجهاد متناسقة تماما في هذا السياق من النبل والوضوح لأن النتائج فرع عن المقدمات، ونلخص هذه الآثار في النقاط التالية :
(1) تربية النفس على الشهامة والنجدة والفروسية .
(2) إزالة الشر الذي يؤدي إلى الإفساد في الأرض بعد إصلاحها .
(3) إقرار العدل والحرية لجميع الناس مهما كانت عقائدهم .
(4) تقديم القضايا العامة على المصلحة الشخصية .
(5) تحقيق قوة ردع مناسبة لتأمين الناس في أوطناهم .
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الحج: ) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز ( [39-40] أي لولا ما شرعه الله تعالى للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء، لاستولى أهل الشرك وعطلوا ما بينته أرباب الديانات من مواضع العبادات، ولكنه "دفع" بأن أوجب القتال ليتفرغ أهل الدين للعبادة. فالجهاد أمر متقدم في الأمم، وبه صلحت الشرائع واجتمعت المتعبدات؛ فكأنه قال: أذن في القتال، فليقاتل المؤمنون. ثم قوي هذا الأمر في القتال بقوله: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض)؛ أي لولا القتال والجهاد لتغلب الباطل على الحق في كل أمة .